المفردة لغة؛ هي مؤنّث المفرد، وهو الواحد، ويقابله الجمع. والأرقام المفردة هي ما كانت غير مزدوجة كالواحد، الثلاثة، والخمسة… والمفردة التشكيلية هي الشكل المتكرّر في نفس المساحة و الذي لا يمكن تفكيكه الى أجزاء مكوّنة ، فهو أدنى جزء ويقال عنه الوحدة. والوحدة حسب الفرابي “هي ما ليس ينقسم انقسام الكم. وهو الذي ليس له امتداد أصلا، ولا إلى جهة من الجهات “.
والوحدة التشكيلية أو المفردة التشكيلية والاثنان يؤديان نفس المعنى، يوافقان باللغة الفرنسية لفظ “Le module”. وفي كتاب المفردة التشكيليّة يقع اتفاق أوّلي على تعريف المفردة: “الشكل الواحد ذو القياس الواحد”. وفي نصه في نفس الكتاب يعرف رشيد الفخفاخ المفردة بأنها ” شكل هندسي بسيط أو مركب يتكرر بإيقاعات بصرية منتظمة وغير منتظمة، حسب توزيع شبكي محدد”. أما الحبيب بيدة فهو يصفها كما يلي: “هي العنصر البنائي الذي مورست عليه أفعال تنسيقيّة وترتيبية وتركيبية، فتكرر مكوّنا لتراكيب قوامها تنظيم هندسي حسب توزيعات واتجاهات معينة”. وفي نصه هذا يقيم الحبيب بيدة مقارنة بين المفردة التشكيلية وفن الزخرفة في الفن العربي الإسلامي، فهذا الفن يقوم أساسا على إيقاع المفرد. وإذ اكتفى بيدة بالحديث عن الفن العربي الإسلامي لالتزامه بموضوع نصه يجدر الذكر أن الفنون القديمة بصفة عامة اعتمدت في فن الزخرفة على المفردة التشكيلية كوحدة بنائية للنسيج الإيقاعي.
لقد كانت المفردة التشكيلية موضوعا دائم الظهور عبر تاريخ الفن، إلاّ أن أشكالها تتغير من فترة إلى أخرى ومن حضارة إلى أخرى، و كذلك أساليب معالجتها و مرجعيّاتها الرمزيّة. لذلك لا يمكن لنا الجزم – بشكل نهائي – بخصوص كيفية توظيفها، حيث نلاحظ تغيرات جذرية في مستوى الشكل والمضمون معا كلّما تعلق الأمر بممارسة مختلفة في إطار مختلف. ولكن ألم تبق المفردة معطى ثابتا يتمحور حوله كامل العمل الإبداعي فيما يخصّ الفن الإسلامي
تقودنا الزخارف العربية الإسلامية مباشرة إلى موضوع “المفردة”، حيث تعتمد شكلا على أساليب ترداديّة وإيقاعيّة، فنكاد نتعرف للوهلة الأولى على شبكات مفرديّة متفاوتة التعقيد تتجلّى فيها المفردة بسيطة واضحة، وفي أحيان أخرى معقدة ومتداخلة، و تطال مثل هذه التجليات الواسعة الانتشار جدران المساجد و القصور و تشمل الأواني والأثاث… مما جعل هذا النوع من الممارسة يعتبر “علامة” تحديد لشخصية الفن الإسلامي و خصوصيته الفريدة، رغم تتعدد أساليبها التقنية والتشكيلية. وقد تطور فن الزخرفة أو لنقل “الرقش” وهو المرادف لغة لكلمة “أراباسك”، منذ مطلع الإسلام، ففي عهد الدولة الأموية شهدت البنايات التي انجزت في تلك الفترة أوّل علامات نشأته، ومن مفاخره الزخارف الموجودة في قبة الصخرة أو خربة المفجر. ومنذ ذلك الحين وفن “الرقش” يشهد تنوعا كميا وكيفيا، ما يؤكد على قيمة المنجزات وعلى تجذّرها في تاريخ الممارسة ذات العلاقة بأرضية ذهنية.
ولكن الا يجدر بنا التساؤل أوّلا عن الجذور التاريخيّة لهذه الممارسة خاصة لارتباطها بالصرامة الهندسية و بلعبة التكرار.
في حقيقة الأمر لا يمكن ردّ ممارسة الزخرفة إلى حضارة دون أخرى أو لفترة معيّنة من التاريخ فقد عثر مؤخرا على أقدم الأدوات التي استعملها الإنسان البدائي للصيد والتي كانت تكسو مساحتها زخارف متعدّدة لم يحدّد علماء الآثار بعد ان كان لها وظيفة في إنجاح عمليّة الصيد، أم أن لها بعد رمزي لم تعرف ابعاده لقلّة الادلّة و المعلومات المتحصّل عليها.وكذلك الامر بالنسبة للحلي اذ عثر على حلي في افريقيا الجنوبية يعود تاريخها الى 77 الف سنة وهي الاخرى مزخرفة بخطوط مستقيمة متوازية و متقاطعة مكونة بذلك شبكة من الخطوط .
ومن ذلك يتبيّن لنا أن الزخرفة هي ارث إنساني عام و لا يمكن ردّه او حصره ولكن يمكن لنا تتبّع علامات تطوّره وأشكال تمظهره وان يدفعنا هذا لتساؤل أعمق عن أسباب تعلّق الإنسانية بهذه الممارسة، وعن تأثيرها على الإدراك ومدى صلتها بالذوق. يرى جان ماري شافار “Jean-Marie SCHAEFFER” ان مسالة الذوق هي مسالة انتربولوجية بالأساس حيث يقول: ” يجب ان نعترف بان كل مانشير اليه كتجربة او علاقة جمالية هو سلوك انتروبلوجي” كذلك يعتبر “ماير” إن عمليّة التذوق الجمالي مرتبطة بمكونين أساسيين هما “الحكم الجمالي” و”الذكاء الجمالي” والذي يقوم أساسا حسب رأيه على عمليّة الإدراك وقد تصوّره ذا جذور وراثيّة إلى حد كبير. والمتطلع في تاريخ الفن لا يمكنه أن يمر على محطة من محطاته دون أن يجلب انتباهه الجانب الهندسي الكامن فيها و من ذلك فان أي حضارة عرفت هذا النوع من الممارسة إلاّ و ساهمت في تطويره وطبعته بطابعها الخاص. و لقد تفطن الفلاسفة القدماء إلى ما في هذه الممارسة الهندسيّة من طابع إنساني و فطري وعلى كونه يسبب انفعالات دون أخرى ويحدث لذة خاصة و نجد صدى لمثل هذه الافكار في محاورة سقراط لبروتاخوس:
“سقراط : المتعة الحقيقية هي تلك التي تنبعث من الألوان التي نسميها جميلة، و من الأشكال، كذلك معظم متع الشم و السمع. المتع الحققيقية تنشأ من كل هذه الأشياء التي لا يحدث الإفتقار إليها شعورا بالأهمية و لكن الرضا المستمد منها يحدث الشعور بالسرور وغير المرهون بالألم.
بروتاخوس: مرة ثانية يا سقراط ما الذي تقصده بهذه الأشياء ؟
سقراط : لست أقصد بجمال الأشكال ما يتوقعه معظم الناس، مثل الكائنات الحية و الصور. لكن ما أقصده توضيحا لوجهة نظري؛ هي الخطوط المستقيمة و المقوسات و المسطحات و الأشكال المجسمة الناتجة عنها بواسطة المخارط و المساطر و الزوايا، إذا كنت تفهمني. ما أعنيه أن هذه الأشياء ليست جميلة نسبيا كغيرها من الأشياء و إنما هي جميلة دائما و بالطبيعة. وعلى وجه الإطلاق، هي ذات متع أصيلة لا تعتمد بحال على نزوات الرغبة”
هكذا كانت للتعبيرات الجمالية المتعلقة بأنساق هندسية متعة خاصة عند سقراط يحدثها الإدراك لمثل هذه النوعية “الكرافيتية”، إذ تتصف خطوطها بالصرامة و بالدقة. قول سقراط بأنها “ذات متع أصيلة” يكون القصد منه؛ أنّه خلافا للتراكمات الثقافية التي قد تحدث عند الفرد أو المجموعة ميلا لجماليات معينة، فإن التعبيرات الجمالية الهندسية، تكون دائمة ومطلقة، استنادا إلى قوله “هي جميلة دائما وبالطبيعة وعلى وجه الإطلاق”.
فلا غرابة إذا أن تنموا هذه الزخارف الهندسيّة في بيئة إسلامية اختارت التجريد منهجا فنيا إمّا بسبب تحريم التشخيص كما يعتقد اغلب الباحثين او لاعتبار الفن الإسلامي تواصلا لإرث ثقافي معيّن تأثر بفكر ديني وروحي ممّا انتج نهجا فنينا مميّزا،” فالفن في علاقة مع الدين انّما يترجم طابعه الروحي المستمر والذي يحدد اطارا اساسيّا لشخصيّته ،فالفن ليس عملا طقوسيّا او تعريفيا بالإسلام ، وإنما هو صيغة من صيغ التعامل مع الواقع” . لقد عرف فن الزخرفة مع الحضارة الاسلاميّة نقلة نوعيّة جعلته يتطور في جميع الاتجاهات أي على المستوى الشكلي
و التقني والرمزي… مما جعل العديد من الباحثين يقرّون بإخراجه من دائرة
الفنون الصغرى و يعتقدون في أبعاده الجماليّة العميقة. فمثلا يقول غرابار”ليس الرقش العربي مجرّد زخرفة بل كان له وظيفة رمزيّة ، ففي جميع اشكال الرقش التي نراها في قصر الحيرة الشرقي و الغربي وفي قصر المشتى او خربة المفجر ،
يتبيّن ان هذا سواء كان هندسيا أو نباتيا قد اخضع كليا لمبادئ تجريدية هي في قمة جميع مراتب التعبير الجمالي الإسلامي…” و يضيف غرابا في مكان آخر” ان الالتجاء للرقش هو انتقال إلى مستوى القيمة الثقافيّة للعمل الفني ، اذ يلغي العلاقة بين الشيء المرئي وبين دلالته العادية و معناه المتداول…” . اذ يشارك غرابار الرأي العديد من الباحثين فان البعض الآخر لا يزال متشبّثا بالتصنيف الكلاسيكي للفنون. مع ان ما آل اليه الفن اليوم يقطع مع هذه التصنيفات و يراها نتيجة للفكر الغربي في مرحلة معينة. وما يهمنا في هذا البحث ليس تتبّع تاريخ فن الزخرفة او تصنيفه تفاضليا اذ انه من الاجدر ان نتناول بالدرس اسسه التركيبية و الركائز الفكريّة التي يقوم عليها، حتى تكون مقاربتنا اكثر علمية، وحتى لا يحيد بنا البحث الى مجال سردي تاريخي قد يكون حيزا لبحث آخر.
أما مغامرة الفن الحديث فهي الأخرى لم تتخل عن المجالات االفسيحة التي يتيحها توظيف المفردة. فلا غرابة إن تكون هذه الأخيرة في أعمال “موندريون” و”فازاريلي” المحرك الأساسي للفعل التشكيلي.
بدأت بوادر التأثر بفن الرقش أو ( الأراباسك ) في العصر الحديث مع حركة “الفن الجديد”. هذه المدرسة كانت لا تخفي تأثرها واستلهامها من الأعمال القديمة, شرقية كانت أم غربية. فكانت تعيد صياغة الزخارف في اللوحات أو في المعلقات الإشهارية. لتكون أعمالها أقرب إلى الفنون التطبيقية منها إلى التشكيلية. سوى ما يخص فن الرسم، حيث يمكن اعتبار أعمال “فانغوغ”، قد حملت موقفا ممكنا من الزخرفة. و إن كانت تعلات وجودها ترتبط بمرجعية تشخيصية، مثل زخرفة ثياب أو خلفية، كما يبرز هذا في لوحة “italienne’L” في 1897. ففي هذه اللوحة تمثل زخرفة الثوب تعلة لرسم خطوطا في اتجاهات مختلفة، تقيم توازنا مع الهندسية التي تتميز بها هذه اللوحة حتى في معالجة الخلفية.
مع “ماتيس” أصبح الأمر أكثر جديّة بل أنه تعدى التلميح إلى التصريح حيث أعلن هذا الأخير أن “الإلهام يأتي دائما من الشرق”. لقد تعامل”ما تيس” مع هذه المسألة بأكثر جرأة، ففي الكثير من أعماله تكون للخلفيات المزخرفة حضور مميز، فهي تخلق بهجة لونية في اللوحة. كما أن تكرار المفردات الزخرفية تخلق حيوية من حيث تعدد ألوانها و إرسائها لتوازن تأليفي( انظر لوحةFigure décorative sur fond ornemental لسنة 1925 ). ففي هذه اللوحة مثلا تصبح المرأة الجالسة على الأريكة, كما لو كانت عنصرا ينضاف إلى المنظومة الزخرفية. فالأشكال الدائرية التي في جسدها، تلقى تناغما مع الخطوط الملتوية في الحائط أو في الأريكة إلى أن تتحد العناصر في خلفية واحدة تلغي الإيهام بثلاثية الأبعاد، وتفتح مجالا لقراءة جديدة للحيز المساحي الذي تؤثثه الوحدات الزخرفية.
كذلك كان “كليمت” قد توصل إلى إعلان الزخرفة قيمة مساحية تطغى على الحيز. ففي لوحة “Le baiser” مثلا ( القبلة ) تذوب أشكال الشخوص وسط الوحدات الزخرفية التي تحيطها من خلال تشابه نوعية خطوطها وألوانها.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه “كليمت” و”ماتيس” يبحثان عن إعلان الزخرفة قيمة في حدّ ذاتها، كان “كاندانسكي” و”ماليفقيتش” و”ماندريون”، كل من جهته، يواصلون بحوثهم التشكيلية التي ستعلن في مطلع العشرينات من القرن العشرين، عن نشوء فن تجريدي واضح المعالم، خال من كل تشخيصية، يعيد لتاريخ الرسم حلقة كانت مفقودة. لكأن أعمالهم المستحدثة تعيد إلى الأذهان ممارسة قديمة للفن، كانت فيما مضى ترتبط بالهندسة والتزويق. مما فتح بابا على تساؤلات عدّة: إلى أي مدى يمكن اعتبار الفن التجريدي وريثا شرعيا لفن الزخرفة ( رغم أن أصحابه ينفون أن تكون له وظيفة تزويقية ) ؟ ألآ يكون ذلك الابن الذي جاءت به الحداثة لتدحض ممارسات تشكيلية حكم عليها المدّ بالأفول ؟
إن التشابه – على الأقل في مستوى الإنتاج الشكلي – بين التجريد الهندسي والزخرفة، لم يكن ليمثل جوهرا لقضية، بقدر ما كانت خلفيات هذه الممارسة تطرح إستفهامات عديدة لاستجلاء مسائل غائمة. لقد أثر الفن التجريدي في فن ما بعد الحرب، ممهدا طريقا جديدة أمام فنون القرن العشرين حيث يمكن اعتبار مثلا “op art’ L” و”Le Minimalisme” وغيرها من التيارات الفنية الحديثة والمعاصرة، تواصلا وامتدادا لمفاهيم تشكيلية أرسى أسسها الفن التجريدي.
للعودة إلى موضوع المفردة، فإن اعتمادها من قبل العديد من فنانين القرن العشرين، لا يمكن إلا أن يعبر عن إمكانات دمجها في أشكال الممارسة الجديدة. بل لتكون في أحيان كثيرة قاعدة تبنى عليها العملية الإبداعية. لنتتبع آثارها في خطى الفن الحديث. أقترح أن نتناول بالدرس محطات مختلفة حتى نلم بمختلف تمظهراتها، ونفهم نسق تطورها في إطار زمني محدد. خاصة باعتبار “المفردة” مضمونا في حد ذاته، وليست فقط شكلا “نهائيا” يعتمد لتمرير مضمون مستقل. ففي كل مرّة تأخذ المفردة ثوبا جديدا إلا وتقدم قراءات جديدة لحيثيات و لمضامين مختلفة.
لقد تحول دور الشبكة في فن الرّسم من خدمة المنظور الى تعامل مجرّد مع الحيز التشكيلي في الاعمال الحديثة لتصبح قيمة في ذاتها . واعتبارا لدورها المحدث هذا، فإنّ العديد من فنّاني القرن العشرين ومن أهمّهم “ماندريون” تعاملوا مع الشبكة ليس فقط باعتبارها عنصرا توليديّا بل وايضا بصفتها نسج لفضاء اللوحة كما عرّفه “موريس دينيس” (فهي لم تعد “نافذة مفتوحة على العالم” بل أصبحت لا تعبّر إلا عن فضائها الخاص). في أعمال “ماندريون” يتغير سمك الخطوط السوداء التي تقسم المساحة و كذلك طولها. مولّدة عبر تقاطعها لأشكال مستطيلة و مربعة، متفاوتة الحجم مفتوحة تارة ومغلوقة تارة أخرى. أما المركز (وسط اللوحة) فعادة ما يكون فارغا. ففي إطار تركيبته اللاتناظرية، يقوم مندريان، عبر توزيعه للألوان ولنقاط التقاطع، بافتعال مراكز جديدة تقود عين المشاهد إلى القيام بقراءة جديدة للحيز. وفي كل مرة يغير مندريان في منهجه الرياضي إلا ويقترح تكافؤات جديدة تقوم على موازنات مغايرة بين العناصر التشكيلية أي الخط، اللون، اللالون، المساحة، معتمدا على معادلات رياضية وهندسية.
و كان هذا الموقف بمثابة الإعلان عن استقلاليّة اللوحة وعدم تمثيلها لفضاء تشخيصي، إلى أن تأسست على اثره رؤية جديدة تعلن نشأة “الفضاء الافتراضي” ويمكن تبويب بعض اعمال”فزيرلّي” في هذا الإطار، حيث تحوّر مفردات الشبكة بتمطيطها أو بتقليصها للتعبير عن العمق الافتراضي. و تمادت التعبيرات الجمالية المعتمدة شكلا على المفردة التشكيلية الى حد زمننا المعاصر حيث تغيّرت الخامات و اختلفت المناهج التعبيرية و تعددت ، فاصبح مثلا الجسد نفسه حاملا ماديا ترسم عليه مواضيع شتى .
اما عن الفن التشكيلي في الوطن العربي فلقد تناسى و الى حد كبير ما يمثله ارثه الشكلي في هذا المجال من ثراء جمالي ومن تنوع تعبيري. فراح يبحث في الفنون الاخرى او يقلدها في بعض الاحيان دونما وعي بما يمكن ان تحمله خلفياتها التاريخية. ولكني لا أعمّم هذا الحكم حيث تبقى العديد من التجارب التشكيلية العربية خارج دائرة السطحية و التقليد . فالكثير منها يعبّر عن عمق في الاستلهام و قدرة على التطويع. و على سبيل الذكر لا الحصر يمكن لنا الاشارة الى تجارب كل من الفنانين : سمير التريكي و لطفي الارناؤوط التي تعبّر اعمالهم على استلهام ذكيّ من الفن العربي دونما السقوط في المحاكات الجافة و العقيمة .
و ان بقيت مثل هذه التجارب محدودة العدد فإن المستقبل حسب رأيي سيفتح لنا بابا واسعا على تراثنا المنسي و سيعيده للحياة في ثوب جديد. أما عن المفردة التشكيلية فلن يمحوها الزمن، و لن يتخلى عنها الفن لأنها غائرة في كيان الانسان في اعماق اعماقه. ليس فقط كأشكال تؤثث الذاكرة و لكن ايضا كأشكال تعيده حتى الى تكوّنه البيولوجي حيث تتخذ العديد من الخلايا أشكال هندسية غاية في الدقة.
عادل الجموسي
والوحدة التشكيلية أو المفردة التشكيلية والاثنان يؤديان نفس المعنى، يوافقان باللغة الفرنسية لفظ “Le module”. وفي كتاب المفردة التشكيليّة يقع اتفاق أوّلي على تعريف المفردة: “الشكل الواحد ذو القياس الواحد”. وفي نصه في نفس الكتاب يعرف رشيد الفخفاخ المفردة بأنها ” شكل هندسي بسيط أو مركب يتكرر بإيقاعات بصرية منتظمة وغير منتظمة، حسب توزيع شبكي محدد”. أما الحبيب بيدة فهو يصفها كما يلي: “هي العنصر البنائي الذي مورست عليه أفعال تنسيقيّة وترتيبية وتركيبية، فتكرر مكوّنا لتراكيب قوامها تنظيم هندسي حسب توزيعات واتجاهات معينة”. وفي نصه هذا يقيم الحبيب بيدة مقارنة بين المفردة التشكيلية وفن الزخرفة في الفن العربي الإسلامي، فهذا الفن يقوم أساسا على إيقاع المفرد. وإذ اكتفى بيدة بالحديث عن الفن العربي الإسلامي لالتزامه بموضوع نصه يجدر الذكر أن الفنون القديمة بصفة عامة اعتمدت في فن الزخرفة على المفردة التشكيلية كوحدة بنائية للنسيج الإيقاعي.
لقد كانت المفردة التشكيلية موضوعا دائم الظهور عبر تاريخ الفن، إلاّ أن أشكالها تتغير من فترة إلى أخرى ومن حضارة إلى أخرى، و كذلك أساليب معالجتها و مرجعيّاتها الرمزيّة. لذلك لا يمكن لنا الجزم – بشكل نهائي – بخصوص كيفية توظيفها، حيث نلاحظ تغيرات جذرية في مستوى الشكل والمضمون معا كلّما تعلق الأمر بممارسة مختلفة في إطار مختلف. ولكن ألم تبق المفردة معطى ثابتا يتمحور حوله كامل العمل الإبداعي فيما يخصّ الفن الإسلامي
تقودنا الزخارف العربية الإسلامية مباشرة إلى موضوع “المفردة”، حيث تعتمد شكلا على أساليب ترداديّة وإيقاعيّة، فنكاد نتعرف للوهلة الأولى على شبكات مفرديّة متفاوتة التعقيد تتجلّى فيها المفردة بسيطة واضحة، وفي أحيان أخرى معقدة ومتداخلة، و تطال مثل هذه التجليات الواسعة الانتشار جدران المساجد و القصور و تشمل الأواني والأثاث… مما جعل هذا النوع من الممارسة يعتبر “علامة” تحديد لشخصية الفن الإسلامي و خصوصيته الفريدة، رغم تتعدد أساليبها التقنية والتشكيلية. وقد تطور فن الزخرفة أو لنقل “الرقش” وهو المرادف لغة لكلمة “أراباسك”، منذ مطلع الإسلام، ففي عهد الدولة الأموية شهدت البنايات التي انجزت في تلك الفترة أوّل علامات نشأته، ومن مفاخره الزخارف الموجودة في قبة الصخرة أو خربة المفجر. ومنذ ذلك الحين وفن “الرقش” يشهد تنوعا كميا وكيفيا، ما يؤكد على قيمة المنجزات وعلى تجذّرها في تاريخ الممارسة ذات العلاقة بأرضية ذهنية.
ولكن الا يجدر بنا التساؤل أوّلا عن الجذور التاريخيّة لهذه الممارسة خاصة لارتباطها بالصرامة الهندسية و بلعبة التكرار.
في حقيقة الأمر لا يمكن ردّ ممارسة الزخرفة إلى حضارة دون أخرى أو لفترة معيّنة من التاريخ فقد عثر مؤخرا على أقدم الأدوات التي استعملها الإنسان البدائي للصيد والتي كانت تكسو مساحتها زخارف متعدّدة لم يحدّد علماء الآثار بعد ان كان لها وظيفة في إنجاح عمليّة الصيد، أم أن لها بعد رمزي لم تعرف ابعاده لقلّة الادلّة و المعلومات المتحصّل عليها.وكذلك الامر بالنسبة للحلي اذ عثر على حلي في افريقيا الجنوبية يعود تاريخها الى 77 الف سنة وهي الاخرى مزخرفة بخطوط مستقيمة متوازية و متقاطعة مكونة بذلك شبكة من الخطوط .
ومن ذلك يتبيّن لنا أن الزخرفة هي ارث إنساني عام و لا يمكن ردّه او حصره ولكن يمكن لنا تتبّع علامات تطوّره وأشكال تمظهره وان يدفعنا هذا لتساؤل أعمق عن أسباب تعلّق الإنسانية بهذه الممارسة، وعن تأثيرها على الإدراك ومدى صلتها بالذوق. يرى جان ماري شافار “Jean-Marie SCHAEFFER” ان مسالة الذوق هي مسالة انتربولوجية بالأساس حيث يقول: ” يجب ان نعترف بان كل مانشير اليه كتجربة او علاقة جمالية هو سلوك انتروبلوجي” كذلك يعتبر “ماير” إن عمليّة التذوق الجمالي مرتبطة بمكونين أساسيين هما “الحكم الجمالي” و”الذكاء الجمالي” والذي يقوم أساسا حسب رأيه على عمليّة الإدراك وقد تصوّره ذا جذور وراثيّة إلى حد كبير. والمتطلع في تاريخ الفن لا يمكنه أن يمر على محطة من محطاته دون أن يجلب انتباهه الجانب الهندسي الكامن فيها و من ذلك فان أي حضارة عرفت هذا النوع من الممارسة إلاّ و ساهمت في تطويره وطبعته بطابعها الخاص. و لقد تفطن الفلاسفة القدماء إلى ما في هذه الممارسة الهندسيّة من طابع إنساني و فطري وعلى كونه يسبب انفعالات دون أخرى ويحدث لذة خاصة و نجد صدى لمثل هذه الافكار في محاورة سقراط لبروتاخوس:
“سقراط : المتعة الحقيقية هي تلك التي تنبعث من الألوان التي نسميها جميلة، و من الأشكال، كذلك معظم متع الشم و السمع. المتع الحققيقية تنشأ من كل هذه الأشياء التي لا يحدث الإفتقار إليها شعورا بالأهمية و لكن الرضا المستمد منها يحدث الشعور بالسرور وغير المرهون بالألم.
بروتاخوس: مرة ثانية يا سقراط ما الذي تقصده بهذه الأشياء ؟
سقراط : لست أقصد بجمال الأشكال ما يتوقعه معظم الناس، مثل الكائنات الحية و الصور. لكن ما أقصده توضيحا لوجهة نظري؛ هي الخطوط المستقيمة و المقوسات و المسطحات و الأشكال المجسمة الناتجة عنها بواسطة المخارط و المساطر و الزوايا، إذا كنت تفهمني. ما أعنيه أن هذه الأشياء ليست جميلة نسبيا كغيرها من الأشياء و إنما هي جميلة دائما و بالطبيعة. وعلى وجه الإطلاق، هي ذات متع أصيلة لا تعتمد بحال على نزوات الرغبة”
هكذا كانت للتعبيرات الجمالية المتعلقة بأنساق هندسية متعة خاصة عند سقراط يحدثها الإدراك لمثل هذه النوعية “الكرافيتية”، إذ تتصف خطوطها بالصرامة و بالدقة. قول سقراط بأنها “ذات متع أصيلة” يكون القصد منه؛ أنّه خلافا للتراكمات الثقافية التي قد تحدث عند الفرد أو المجموعة ميلا لجماليات معينة، فإن التعبيرات الجمالية الهندسية، تكون دائمة ومطلقة، استنادا إلى قوله “هي جميلة دائما وبالطبيعة وعلى وجه الإطلاق”.
فلا غرابة إذا أن تنموا هذه الزخارف الهندسيّة في بيئة إسلامية اختارت التجريد منهجا فنيا إمّا بسبب تحريم التشخيص كما يعتقد اغلب الباحثين او لاعتبار الفن الإسلامي تواصلا لإرث ثقافي معيّن تأثر بفكر ديني وروحي ممّا انتج نهجا فنينا مميّزا،” فالفن في علاقة مع الدين انّما يترجم طابعه الروحي المستمر والذي يحدد اطارا اساسيّا لشخصيّته ،فالفن ليس عملا طقوسيّا او تعريفيا بالإسلام ، وإنما هو صيغة من صيغ التعامل مع الواقع” . لقد عرف فن الزخرفة مع الحضارة الاسلاميّة نقلة نوعيّة جعلته يتطور في جميع الاتجاهات أي على المستوى الشكلي
و التقني والرمزي… مما جعل العديد من الباحثين يقرّون بإخراجه من دائرة
الفنون الصغرى و يعتقدون في أبعاده الجماليّة العميقة. فمثلا يقول غرابار”ليس الرقش العربي مجرّد زخرفة بل كان له وظيفة رمزيّة ، ففي جميع اشكال الرقش التي نراها في قصر الحيرة الشرقي و الغربي وفي قصر المشتى او خربة المفجر ،
يتبيّن ان هذا سواء كان هندسيا أو نباتيا قد اخضع كليا لمبادئ تجريدية هي في قمة جميع مراتب التعبير الجمالي الإسلامي…” و يضيف غرابا في مكان آخر” ان الالتجاء للرقش هو انتقال إلى مستوى القيمة الثقافيّة للعمل الفني ، اذ يلغي العلاقة بين الشيء المرئي وبين دلالته العادية و معناه المتداول…” . اذ يشارك غرابار الرأي العديد من الباحثين فان البعض الآخر لا يزال متشبّثا بالتصنيف الكلاسيكي للفنون. مع ان ما آل اليه الفن اليوم يقطع مع هذه التصنيفات و يراها نتيجة للفكر الغربي في مرحلة معينة. وما يهمنا في هذا البحث ليس تتبّع تاريخ فن الزخرفة او تصنيفه تفاضليا اذ انه من الاجدر ان نتناول بالدرس اسسه التركيبية و الركائز الفكريّة التي يقوم عليها، حتى تكون مقاربتنا اكثر علمية، وحتى لا يحيد بنا البحث الى مجال سردي تاريخي قد يكون حيزا لبحث آخر.
أما مغامرة الفن الحديث فهي الأخرى لم تتخل عن المجالات االفسيحة التي يتيحها توظيف المفردة. فلا غرابة إن تكون هذه الأخيرة في أعمال “موندريون” و”فازاريلي” المحرك الأساسي للفعل التشكيلي.
بدأت بوادر التأثر بفن الرقش أو ( الأراباسك ) في العصر الحديث مع حركة “الفن الجديد”. هذه المدرسة كانت لا تخفي تأثرها واستلهامها من الأعمال القديمة, شرقية كانت أم غربية. فكانت تعيد صياغة الزخارف في اللوحات أو في المعلقات الإشهارية. لتكون أعمالها أقرب إلى الفنون التطبيقية منها إلى التشكيلية. سوى ما يخص فن الرسم، حيث يمكن اعتبار أعمال “فانغوغ”، قد حملت موقفا ممكنا من الزخرفة. و إن كانت تعلات وجودها ترتبط بمرجعية تشخيصية، مثل زخرفة ثياب أو خلفية، كما يبرز هذا في لوحة “italienne’L” في 1897. ففي هذه اللوحة تمثل زخرفة الثوب تعلة لرسم خطوطا في اتجاهات مختلفة، تقيم توازنا مع الهندسية التي تتميز بها هذه اللوحة حتى في معالجة الخلفية.
مع “ماتيس” أصبح الأمر أكثر جديّة بل أنه تعدى التلميح إلى التصريح حيث أعلن هذا الأخير أن “الإلهام يأتي دائما من الشرق”. لقد تعامل”ما تيس” مع هذه المسألة بأكثر جرأة، ففي الكثير من أعماله تكون للخلفيات المزخرفة حضور مميز، فهي تخلق بهجة لونية في اللوحة. كما أن تكرار المفردات الزخرفية تخلق حيوية من حيث تعدد ألوانها و إرسائها لتوازن تأليفي( انظر لوحةFigure décorative sur fond ornemental لسنة 1925 ). ففي هذه اللوحة مثلا تصبح المرأة الجالسة على الأريكة, كما لو كانت عنصرا ينضاف إلى المنظومة الزخرفية. فالأشكال الدائرية التي في جسدها، تلقى تناغما مع الخطوط الملتوية في الحائط أو في الأريكة إلى أن تتحد العناصر في خلفية واحدة تلغي الإيهام بثلاثية الأبعاد، وتفتح مجالا لقراءة جديدة للحيز المساحي الذي تؤثثه الوحدات الزخرفية.
كذلك كان “كليمت” قد توصل إلى إعلان الزخرفة قيمة مساحية تطغى على الحيز. ففي لوحة “Le baiser” مثلا ( القبلة ) تذوب أشكال الشخوص وسط الوحدات الزخرفية التي تحيطها من خلال تشابه نوعية خطوطها وألوانها.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه “كليمت” و”ماتيس” يبحثان عن إعلان الزخرفة قيمة في حدّ ذاتها، كان “كاندانسكي” و”ماليفقيتش” و”ماندريون”، كل من جهته، يواصلون بحوثهم التشكيلية التي ستعلن في مطلع العشرينات من القرن العشرين، عن نشوء فن تجريدي واضح المعالم، خال من كل تشخيصية، يعيد لتاريخ الرسم حلقة كانت مفقودة. لكأن أعمالهم المستحدثة تعيد إلى الأذهان ممارسة قديمة للفن، كانت فيما مضى ترتبط بالهندسة والتزويق. مما فتح بابا على تساؤلات عدّة: إلى أي مدى يمكن اعتبار الفن التجريدي وريثا شرعيا لفن الزخرفة ( رغم أن أصحابه ينفون أن تكون له وظيفة تزويقية ) ؟ ألآ يكون ذلك الابن الذي جاءت به الحداثة لتدحض ممارسات تشكيلية حكم عليها المدّ بالأفول ؟
إن التشابه – على الأقل في مستوى الإنتاج الشكلي – بين التجريد الهندسي والزخرفة، لم يكن ليمثل جوهرا لقضية، بقدر ما كانت خلفيات هذه الممارسة تطرح إستفهامات عديدة لاستجلاء مسائل غائمة. لقد أثر الفن التجريدي في فن ما بعد الحرب، ممهدا طريقا جديدة أمام فنون القرن العشرين حيث يمكن اعتبار مثلا “op art’ L” و”Le Minimalisme” وغيرها من التيارات الفنية الحديثة والمعاصرة، تواصلا وامتدادا لمفاهيم تشكيلية أرسى أسسها الفن التجريدي.
للعودة إلى موضوع المفردة، فإن اعتمادها من قبل العديد من فنانين القرن العشرين، لا يمكن إلا أن يعبر عن إمكانات دمجها في أشكال الممارسة الجديدة. بل لتكون في أحيان كثيرة قاعدة تبنى عليها العملية الإبداعية. لنتتبع آثارها في خطى الفن الحديث. أقترح أن نتناول بالدرس محطات مختلفة حتى نلم بمختلف تمظهراتها، ونفهم نسق تطورها في إطار زمني محدد. خاصة باعتبار “المفردة” مضمونا في حد ذاته، وليست فقط شكلا “نهائيا” يعتمد لتمرير مضمون مستقل. ففي كل مرّة تأخذ المفردة ثوبا جديدا إلا وتقدم قراءات جديدة لحيثيات و لمضامين مختلفة.
لقد تحول دور الشبكة في فن الرّسم من خدمة المنظور الى تعامل مجرّد مع الحيز التشكيلي في الاعمال الحديثة لتصبح قيمة في ذاتها . واعتبارا لدورها المحدث هذا، فإنّ العديد من فنّاني القرن العشرين ومن أهمّهم “ماندريون” تعاملوا مع الشبكة ليس فقط باعتبارها عنصرا توليديّا بل وايضا بصفتها نسج لفضاء اللوحة كما عرّفه “موريس دينيس” (فهي لم تعد “نافذة مفتوحة على العالم” بل أصبحت لا تعبّر إلا عن فضائها الخاص). في أعمال “ماندريون” يتغير سمك الخطوط السوداء التي تقسم المساحة و كذلك طولها. مولّدة عبر تقاطعها لأشكال مستطيلة و مربعة، متفاوتة الحجم مفتوحة تارة ومغلوقة تارة أخرى. أما المركز (وسط اللوحة) فعادة ما يكون فارغا. ففي إطار تركيبته اللاتناظرية، يقوم مندريان، عبر توزيعه للألوان ولنقاط التقاطع، بافتعال مراكز جديدة تقود عين المشاهد إلى القيام بقراءة جديدة للحيز. وفي كل مرة يغير مندريان في منهجه الرياضي إلا ويقترح تكافؤات جديدة تقوم على موازنات مغايرة بين العناصر التشكيلية أي الخط، اللون، اللالون، المساحة، معتمدا على معادلات رياضية وهندسية.
و كان هذا الموقف بمثابة الإعلان عن استقلاليّة اللوحة وعدم تمثيلها لفضاء تشخيصي، إلى أن تأسست على اثره رؤية جديدة تعلن نشأة “الفضاء الافتراضي” ويمكن تبويب بعض اعمال”فزيرلّي” في هذا الإطار، حيث تحوّر مفردات الشبكة بتمطيطها أو بتقليصها للتعبير عن العمق الافتراضي. و تمادت التعبيرات الجمالية المعتمدة شكلا على المفردة التشكيلية الى حد زمننا المعاصر حيث تغيّرت الخامات و اختلفت المناهج التعبيرية و تعددت ، فاصبح مثلا الجسد نفسه حاملا ماديا ترسم عليه مواضيع شتى .
اما عن الفن التشكيلي في الوطن العربي فلقد تناسى و الى حد كبير ما يمثله ارثه الشكلي في هذا المجال من ثراء جمالي ومن تنوع تعبيري. فراح يبحث في الفنون الاخرى او يقلدها في بعض الاحيان دونما وعي بما يمكن ان تحمله خلفياتها التاريخية. ولكني لا أعمّم هذا الحكم حيث تبقى العديد من التجارب التشكيلية العربية خارج دائرة السطحية و التقليد . فالكثير منها يعبّر عن عمق في الاستلهام و قدرة على التطويع. و على سبيل الذكر لا الحصر يمكن لنا الاشارة الى تجارب كل من الفنانين : سمير التريكي و لطفي الارناؤوط التي تعبّر اعمالهم على استلهام ذكيّ من الفن العربي دونما السقوط في المحاكات الجافة و العقيمة .
و ان بقيت مثل هذه التجارب محدودة العدد فإن المستقبل حسب رأيي سيفتح لنا بابا واسعا على تراثنا المنسي و سيعيده للحياة في ثوب جديد. أما عن المفردة التشكيلية فلن يمحوها الزمن، و لن يتخلى عنها الفن لأنها غائرة في كيان الانسان في اعماق اعماقه. ليس فقط كأشكال تؤثث الذاكرة و لكن ايضا كأشكال تعيده حتى الى تكوّنه البيولوجي حيث تتخذ العديد من الخلايا أشكال هندسية غاية في الدقة.
عادل الجموسي

هذا النص موجود على "دروب" . ع.ج
RépondreSupprimerاروع تحليل ودراسة ...تحياتي
RépondreSupprimer
Supprimerعادل الجموسي
شكرا استاذنا العزيز.. تقبل احر التحيات
شكرا جزيلا
RépondreSupprimerالسلام عليكم
RépondreSupprimerلوسمحت ممكن اسم الكتاب اللي بيعرف الفرده التشكيليه
لاني بحث عنه في الانترنت ولم أجد اي الكتاب